قال مندوب دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور إن الشعب الفلسطيني يمر بفصل من ‏أقسى وأخطر فصول تاريخه منذ نكبة عام 1948، التي هجر فيها عن أرضه وارتكبت بحقه المجازر ‏والمذابح لترهيبه وتجريده من ممتلكاته وسرقة أرضه وموارده، وتركه يواجه اللجوء والتهجير القسري ‏والاحتلال في ظلم تاريخي لا يمكن محوه أو التغاضي عنه مهما تغيرت الظروف، خاصة وأنه لا يزال ‏يعيش تبعات هذا الظلم مع غياب الجهد الدولي الجماعي لإنصافه وحماية حقوقه وإعانته على ممارستها ‏بحرية، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره في دولته المستقلة ذات السيادة، والعودة إلى أرضه.‏
وقال منصور، في كلمة دولة فلسطين أمام الاجتماع الاستثنائي على مستوى وزراء خارجية الدول ‏الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي المنعقد في مدينة جدة السعودية، اليوم الأربعاء، إن الشعب ‏الفلسطيني الآن بدل من أن ينعم بحقوقه التي سلبت منه لعقود، يتعرض لفصل أكثر قسوة من سابقه، ‏ترتكب فيه إسرائيل المجازر ضده بهدف تهجيره قسريا في قطاع غزة المحتل المحاصر والمدمر، وفي ‏الضفة الغربية المحتلة مقطعة الأوصال، بما فيها القدس الشرقية.‏
وأضاف قائلاً، ترتكب إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، مجزرة تلو الأخرى، وجريمة تلو الأخرى، ‏وتبني مستوطنة تلو الأخرى، دون حساب أو عقاب حتى وصل بها الحال لتكريس الفصل العنصري، ‏وارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وتوظيف التجويع كسلاح حرب يدفع ثمنه الأطفال والأمهات، وتحرم ‏جيلا فلسطينيا، بل أجيالا فلسطينية كاملة، من الحياة، محدثة فجوة عُمرية في التركيب الديموغرافي ‏للشعب الفلسطيني.‏
وتابع، “نعلم جميعا أن سبب ذلك كله هو تمتع إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، بالحصانة وبالإفلات من ‏العقاب على مر هذه السنين وعلى مر هذه الجرائم التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني. فلم تحاسب ‏إسرائيل يوما على جرائمها ضد شعبنا. وفي كل جريمة ترتكبها إسرائيل، يتم حمايتها وخلق الأعذار لها، ‏مما وفر لها الوقت لتستكمل خططها وأطماعها الاستعمارية في أرضنا”.‏
وبين منصور أن “10 أشهر مرت منذ بدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، ونحن جميعاً نطالب ‏بإنهاء العدوان وبوقف فوري لإطلاق النار وتدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وضمان توزيعها، ‏ولكن إسرائيل ترد على هذه المطالبات بتصعيد غاراتها على الأحياء السكنية المكتظة والبيوت والمساجد ‏والكنائس والمستشفيات ومراكز اللجوء الممتلئة بالنازحين، فهي تستهدف المدنيين أينما وجدوا بشكل ‏عشوائي ومفاجئ، وتستخدم المساعدات الإنسانية كالغذاء والدواء والوقود كأوراق ضغط ومساومة. كما ‏أصبح من الواضح جدا أن ما يسمى بأوامر الإخلاء التي تصدرها إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين والطلب ‏منهم التوجه إلى مناطق تدعي أنها آمنة ما هي إلا جزء تكتيكي من هذا العدوان”.‏
وتابع قائلاً، “تدعي إسرائيل أنها تقوم بذلك كجهد منها لحماية المدنيين لتشويش الصورة أمام المجتمع ‏الدولي، في حين أنها في واقع الأمر تصدر هذه الأوامر لتعذيب المدنيين والتنكيل بهم، ومفاقمة معاناتهم ‏وزيادة خسارتهم والتضييق والضغط عليهم، فهي تقوم بنقل الشعب الفلسطيني من تهجير إلى آخر، ‏وتحرق البيوت والأحياء السكنية، وتترك جنودها يبثون حرق البيوت والممتلكات عبر الفيديوهات، حتى ‏تزيد من حسرة الفلسطينيين وحتى تقطع عندهم الأمل بالعودة إلى بيوتهم ومدارسهم وأحيائهم السكنية، كما ‏تقوم باستهداف النازحين في طريق النزوح، وفي خيام النزوح وفي المناطق التي تصنفها وهما أنها آمنة، ‏تقتلهم وتعتقلهم وتنكل بهم، بما في ذلك الأطفال، وتحتجزهم أو تدفنهم أحياء وأمواتا في مقابر جماعية، ‏وتخفي مصيرهم، وجعلت الحياة في قطاع غزة أو مجرد التفكير في الحياة هناك أمراً مستحيلا، فكل ما ‏يفكر فيه أهلنا الآن هناك هو النجاة من هول الكارثة”.‏
واستدرك، “كما جعلت (إسرائيل) الحياة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تحت التهديد الدائم ‏وفي مرمى الانتقام، فإسرائيل تجتاح المناطق الفلسطينية بشكل يومي وتعتقل آلاف الفلسطينيين وتزج بهم ‏في سجونها وتعرضهم لأقسى ولشتى أنواع التعذيب، مما يؤدي لاستشهاد الأسرى في زنازينهم”.‏
وأشار منصور إلى “تغير الموقف الدولي، حتى أصبح المجتمع الدولي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، ‏لما شهدناه من جرائم إسرائيلية صادمة للإنسانية، لكن خطة إسرائيل لم تتغير، فهي ما زالت تريد تهجير ‏الفلسطينيين، حتى لو استغرق ذلك زمنا، من خلال جعل قطاع غزة منطقة منكوبة لا تصلح للعيش، كما ‏أصبح واضحا وجليا أنها تريد حربا طويلة وواسعة تشتعل في منطقتنا”.‏
وأوضح أن “إسرائيل أجبرت سكان قطاع غزة على النزوح من شماله إلى جنوبه رغم الرفض الدولي، ثم ‏قصفت واجتاحت الشمال والجنوب، وعندما قام المجتمع الدولي بكل قواه السياسية والقانونية، بما في ذلك ‏محكمة العدل الدولية، بتحذيرها من اجتياح مدينة رفح، كان ردها تنفيذ الاجتياح، واجتياح معبر رفح ‏وإغلاقه وعدم دخول المساعدات الإنسانية وإجلاء الجرحى من خلاله، وحينما أعاد المجتمع الدولي ‏التأكيد على حل الدولتين على حدود 1967 كحل للصراع، قامت إسرائيل بتبني قانون يرفض إقامة ‏الدولة الفلسطينية، وحين رأى المجتمع الدولي أن لا بديل عن وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين ‏‏(أونروا)، أقدمت إسرائيل على تصنيف الوكالة كمنظمة إرهابية في إطار محاولات تقويض دورها ‏ومنعها من العمل في الأرض الفلسطينية المحتلة، مستهدفة بذلك لاجئي فلسطين ووجود الفلسطيني على ‏أرضه، وعندما رفض المجتمع الدولي الاستيطان باعتباره انتهاكا للقانون الدولي ويقوض حل الدولتين، ‏قامت إسرائيل بالاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية وزيادة الخطط الاستيطانية وشرعنة البؤر ‏الاستيطانية، واجتاحت مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقتلت المئات ‏واعتقلت الآلاف من الفلسطينيين، وفرضت العقوبات على الحكومة الفلسطينية، وقرصنت أموال ‏الضرائب الفلسطينية”.‏
وتساءل منصور: كيف يمكن ترك إسرائيل تتصرف وكأنها قوة فوق سلطة القانون، تضرب بعرض ‏الحائط كل المطالبات الدولية والقرارات الأممية وفتاوى المحاكم الدولية والمبادئ الأخلاقية والقانونية، ‏بكل تكبر وتصلف؟ كيف يمكن تركها تستهدف المدنيين والبنى التحتية؟ حتى أن ما يسمون بجنرالاتها ‏أصبحوا يعلنون على الملأ أنهم يستهدفون البنية التحتية بهدف شل الحياة ويتوعدون ويهددون ويقومون ‏بقصف المرافق الحيوية التي تقدم الخدمات للمدنيين، كالمخابز وآبار المياه والمستشفيات ومحطات توليد ‏الكهرباء وشبكات الصرف الصحي وقوافل المساعدات وموظفي الإغاثة الدولية. كيف يمكن تركها ‏تستهدف الصحفيين واحدا تلو الآخر، والأطباء واحدا تلو الآخر، ومراكز اللجوء واحداً تلو الآخر، ‏والمستشفيات واحدا تلو الآخر، دون اي رادع؟ كيف يمكن ترك مستعمريها يبثون إرهابهم ويقومون ‏بهجماتهم ضد مواطنينا بشكل يومي في قرانا ومدننا ومخيماتنا؟ كيف يمكن ترك إسرائيل تنتهك مقدساتنا ‏الإسلامية والمسيحية وتعتقل القساوسة والأئمة مثلما اعتقلت مفتي القدس السابق وخطيب المسجد الأقصى ‏الإمام عكرمة صبري، وتصعد من اعتداءاتها ضد المصلين في المسجد الأقصى في مدينة القدس؟ كيف ‏يمكن تركها أن ترتكب كل هذه الجرائم والخروقات رغم إدراكنا جميعا بالعواقب المدمرة؟ كيف يمكن ‏تركها تصعد من عدوانها وتتمادى في احتلالها؟
وشدد على أنه “لا بد من لجم هذا المحتل الإسرائيلي المتعجرف، ووضع حد لكل ممارساته غير ‏القانونية، وغير الإنسانية، وأخذ إجراءات جدية وحاسمة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة بشكل فوري ‏ورفع الحصار وإدخال المساعدات والتصدي لمخطط التهجير القسري وتقديم الدعم للقطاع لاسترجاع ‏الحياة فيه”.‏
وجدد منصور التأكيد على أن قطاع غزة المحتل جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، أرض ‏دولة فلسطين، وأن الحكومة الفلسطينية تتولى المسؤولية الكاملة في هذه الأرض.‏
ودعا إلى ترجمة فتوى محكمة العدل الدولية حول عدم شرعية الاحتلال وضرورة إنهائه بالكامل في ‏أسرع وقت ممكن إلى إجراءات وخطوات عملية، في ضوء ما حددته المحكمة من مسؤوليات تقع على ‏إسرائيل وعلى الدول والمنظمات الدولية، وضمان مساءلة إسرائيل عن جرائمها وإنهاء ثقافة الإفلات من ‏العقاب التي تتمتع بها، ودعم الجهود الرامية لتحقيق ذلك، حتى يتوقف هذا العدوان المتواصل والقتل ‏والاغتيال، والتعذيب، والاعتقال والتهجير.‏
وطالب منصور بضرورة “تقديم الدعم المالي والسياسي لوكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين (أونروا) ‏والتصدي لحملة التشويه الإسرائيلية، وتمكين قدرة الوكالة على الاستجابة للمعاناة الإنسانية في قطاع غزة ‏وبين جموع اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة بشكل عام، باعتبار الوكالة عامل استقرار هام في المنطقة، ‏ومواصلة حشد الدعم الدولي لعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، والضغط نحو الحصول على المزيد ‏من الاعترافات بدولة فلسطين، كخطوة سياسية تصحح الظلم التاريخ الذي وقع علينا كشعب، وتعيد التأكيد ‏على حقنا في تقرير المصير”.‏
وشدد على أنه “لا بد من حشد الدعم الدولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق استقلال دولة فلسطين ‏على حدود الرابع من حزيران 1967 وفق المرجعيات الدولية، وتحقيق السلام العادل والشامل بما في ‏ذلك من خلال عقد مؤتمر دولي للسلام على أساس الشرعية الدولية”.‏
وثمن جهود اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية والإسلامية المشتركة، في استنهاض مسؤولية ‏المجتمع الدولي تجاه اتخاذ الإجراءات الفاعلة لضمان وقف العدوان الإسرائيلي وإيصال المساعدات إلى ‏جميع أنحاء قطاع غزة بشكل كاف ومستدام، والتصدي لمحاولات التهجير القسري للشعب الفلسطيني، ‏وتوسيع الاعتراف بدولة فلسطين وعضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، وإطلاق مسار سياسي لتجسيد ‏رؤية الدولتين، وتمكين الشعب الفلسطيني من نيل جميع حقوقه المشروعة.‏
وأكد منصور أنه “لا يمكن ترك إسرائيل تقرر مصيرنا ومصير المنطقة، أو جرنا نحو الهاوية، ويجب ‏التصدي لها وإرغامها على احترام القانون الدولي واحترام سيادة الدول وإنهاء احتلالها، حتى تنعم ‏منطقتنا بالأمن والاستقرار والسلام”.‏
‏(انتهى)‏

التعليقات معطلة.