مقدمة تحليلية

الأمم المتحدة هي منظمة دولية انشئت في عام 1945، وتتكون حتى الآن من 193 دولة عضو. وتسترشد الأمم المتحدة في مهمتها وعملها بالأهداف والمقاصد الواردة في ميثاق تأسيسها. وتطورت الأمم المتحدة على مر السنين لمواكبة عالم سريع التغير. ولكن بقي شيء واحد على حاله: فهو يظل المكان الوحيد على الأرض حيث يمكن لجميع دول العالم أن تتجمع معًا وتناقش المشكلات المشتركة وتجد حلولًا مشتركة تفيد البشرية جمعاء.

الأمم المتحدة نفسها جزء من منظومة الأمم المتحدة. وإن التعاون بين الأمم المتحدة والكيانات الأخرى في المنظومة ضروري لتحقيق أهداف المنظمة المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة. منذ كتابة ميثاقها، تم تفويض الأمم المتحدة للقيام بعمل جديد لم يكن متصوراً وقت إنشائها. لقد حددت المنظمة أهدافًا لبناء عالم أكثر استدامة، ووافقت على العمل الجماعي لإبطاء تغير المناخ. مع تنامي المشاكل التي تواجه البشرية، نما عمل الأمم المتحدة كذلك.

إن هذا التحليل سيشرح تسارع الاحداث وهل الأمم المتحدة طبقت ميثاقها “إن التعاون بين الأمم المتحدة والكيانات الأخرى في المنظومة ضروري لتحقيق أهداف المنظمة المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة”.

منذ تأسيسها عقب الحرب العالمية الثانية، حملت الأمم المتحدة على عاتقها مهمة حفظ الأمن والسلم الدوليين، وكان الشرق الأوسط أحد أكثر المناطق التي استحوذت على اهتمام المنظمة الدولية نظراً لتشابك النزاعات وتعدد الأزمات فيها. غير أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه اليوم: هل نجحت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في إرساء عملية سلام حقيقية ومستدامة في المنطقة؟ أم أن دورها اقتصر على الإدانة والتنديد دون القدرة على التأثير الفعلي في مسار الأحداث؟
مجلس الأمن الدولي والشرق الأوسط: قرارات بلا تنفيذ… لعب مجلس الأمن الدولي دوراً محورياً من الناحية النظرية عبر إصدار العديد من القرارات المتعلقة بأزمات الشرق الأوسط، أبرزها القرار 242 الصادر بعد حرب 1967، والذي نصّ بوضوح على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها واحترام سيادة دول المنطقة وحل مشكلة اللاجئين وإقامة مناطق منزوعة السلاح.
ورغم أهمية هذا القرار كمرجعية قانونية وسياسية للمفاوضات العربية الإسرائيلية، إلا أنه ظل حبراً على ورق بسبب غياب آليات التنفيذ وافتقار المجلس للإرادة السياسية الموحدة بين أعضائه الدائمين. في حالات أخرى مثل غزو العراق للكويت عام 1990 أو الأزمة النووية الإيرانية أو حتى الصراع السوري المستمر منذ عام 2011، أظهر مجلس الأمن عجزه عن اتخاذ إجراءات فعالة نتيجة الانقسامات الحادة بين القوى الكبرى واستخدام حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي تحرك جماعي حاسم. وغالباً ما اقتصرت مخرجات المجلس على بيانات شجب وتنديد لا تغير شيئاً في الواقع الميداني.
الأمم المتحدة وقضية فلسطين.
حضور القوة وغياب الدبلوماسية: تظل القضايا الدولية وخاصة القضية الفلسطينية المثال الأبرز لفشل النظام الأممي في تحقيق العدالة والاستقرار بالشرق الأوسط وأيضاً في بعض دول العالم. فعلى مدى عقود طويلة صدرت عشرات القرارات الأممية المطالبة بإنهاء الصراع الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين. ومع ذلك لم تتمكن المنظمة الدولية سوى من إدارة الأزمة وليس حلّها؛ إذ بقيت عمليات حفظ السلام محدودة التأثير. وفي الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لعب الدور الرئيسي في رعاية مفاوضات السلام وتحمل المسؤولية على عاتقهم وإنهاك مقدراتهم لأجل البحث عن السبل الحقيقية لإرساء الإستقرار الدولي – تحولت وظيفة الأمم المتحدة تدريجيًا إلى مجرد تنسيق الشؤون الإنسانية والإغاثة دون قدرة فعلية على فرض الحلول السياسية أو ضمان تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
إن الصراعات الإقليمية  والدولية والدور التقاعسي للأمم المتحدة لا يقتصر فقط على  العجز الأممي عند حدود القضية الفلسطينية بل يمتد ليشمل معظم النزاعات المزمنة بالمنطقة ودول العالم؛ فالأمم المتحدة لم تستطع منع العديد من وقف الصرارعات الدائرة مثل اندلاع الحرب العراقية الإيرانية ولا اجتياح العراق للكويت ولا تفادي انهيار الدولة السورية أمام دوامة العنف والتدخل الخارجي والصراع الطائفي ولا الصراع الطويل الأمد بين الهند وباكستان والذي يتمحور بشكل أساسي حول إقليم كشمير المتنازع عليه حيث بدأ النزاع بعد تقسيم الهند عام 1947، ويشمل خلافات حدودية، واتهامات، وحروب متكررة.
وحتى تعتبر المشكلة بين الصين وتايوان قضية معقدة ذات تاريخ طويل حيث تعتبر الصين تايوان جزءًا من أراضيها وتصر على “توحيدها” مع البر الرئيسي، بينما تعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة. هذا التناقض في وجهات النظر أدى إلى توترات سياسية وعسكرية مستمرة، مع تهديدات صينية متكررة باستخدام القوة لضم تايوان.
ومع تصاعد التوتر الإيراني الإسرائيلي مؤخراً وهجمات إيران الصاروخية ضد أهداف إسرائيلية وتحذيرات مجلس الأمن المتكررة من “الجحيم” القادم للمنطقة، بقي التحرك الأممي محصوراً ضمن دائرة الإدانات والمناشدات لوقف التصعيد دون أدوات ضغط حقيقية لإرغام الأطراف المتصارعة على الالتزام بالقانون الدولي أو العودة لطاولة الحوار، وهذا ما يعكس دايماً إستنزاف الدول ووقوع الضحايا والأبرياء دون التوصل إلى حلول من الأمم المتحدة لإنهاء الأزمة وعدم سقوط المزيد والمزيد من المدنيين.
انعكاسات الصراع الدولي وأزمة النظام العالمي: تعكس حالة الشلل التي يعاني منها مجلس الأمن والأمم المتحدة أزمة أعمق تتعلق بتغير موازين القوى وصعود صراعات جديدة مثل الحرب الروسية الأوكرانية والتي ألقت بظلال ثقيلة أيضاً على ملفات الشرق الأوسط عبر إعادة تشكيل التحالفات وتعزيز الاستقطاب داخل المجلس ذاته.
وفي ظل هذه البيئة المضطربة بات الحديث عن زوال الدور التقليدي للأمم المتحدة مطروحًا بقوة خاصة مع فقدان الثقة الشعبية والإقليمية بمصداقيتها وقدرتها كوسيط نزيه وفاعل لحل النزاعات المعقدة والمتداخلة بالمنطقة.
خلاصة تحليلية واستشراف المستقبل
تبلغ الميزانية السنوية العادية للأمم المتحدة لعام 2025 حوالي 3.72 مليار دولار أمريكي. وقد تمت المصادقة على هذه الميزانية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. تُستخدم هذه الميزانية لتغطية النفقات التشغيلية للأمانة العامة للأمم المتحدة، البعثات، البرامج الإدارية وغيرها. لكن عند إضافة ميزانية عمليات حفظ السلام التي عادة ما تكون أكبر، يرتفع المجموع السنوي إلى حوالي 6 إلى 8 مليارات دولارات إضافية، بحسب السنوات والعمليات الجارية.
إن هذا الأمر يشير إلى أن إجمالي الإنفاق التراكمي منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 حتى اليوم حسب التقديرات قد تجاوز عدة مئات من المليارات من الدولارات، بالنظر إلى أكثر من 75 عاماً من التشغيل والبرامج والبعثات حول العالم.
غير إنه على الرغم من تجنب حروب كبيرة وإنشاء عشرات بعثات حفظ السلام والمعاهدات والإتفاقيات والصحة والتعليم والإغاثة عبر وكالاتها، فشلت في منع مجازر ونزاعات كبرى، مثل رواندا والبوسنة وسوريا ويبقى السؤال الجوهري “هل تلك الانفاقات المالية الضخمة استطاعت إرساء السلام وتنفيذ القرارات الدولية والمواثيق القانونية.
 أن أداء الأمم المتحدة ومجلس الأمن تجاه قضايا الشرق الأوسط اتسم بالتردد والعجز البنيوي عن تجاوز مرحلة إدارة الأزمات إلى صناعة حلول دائمة وعادلة للصراعات المزمنة وعلى رأسها قضية فلسطين والنزاعات الدولية والشامية واليمن وليبيا وغيرها من العديد من الدول.
يبدو مستقبل المنظمة مرهونًا بإصلاح هيكل اتخاذ القرار داخل مجلس الأمن ومنح صلاحيات أكبر لتنفيذ القرارات الملزمة بعيدًا عن قرارات الفيتو. حتى يتحقق ذلك ستبقى وظيفة الأمم المتحدة أقرب إلى منصة للإدانة والتنديد وتقديم الدعم الإنساني أكثر منها قوة ضاغطة لصنع السلام الحقيقي والاستقرار المنشود للشرق الأوسط المضطرب والمتفجر بالأزمات المتجددة بين الفينة والاخرى، وأيضاً للعالم وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية التي ذهب ضحيتها الاف الأبرياء حتى هذه اللحظة دون أي أمل لتوقف تلك الحرب.
ICCSSM

التعليقات معطلة.